الخميس, مايو 15, 2025

عقد الاعتماد الإيجاري في القانون الجزائري

حتى نصل إلى مفهوم واضح لعقد الاعتماد الإيجاري، لا بد من تعريفه من الناحية القانونية والاقتصادية، ثم نميز بينه وبين بعض المصطلحات المشابهة له كالائتمان والقرض، على أن نذكر أهم الخصائص التي يتميز بها الاعتماد الإيجاري.
أولا: تعريف عقد الاعتماد الإيجاري
لقد عرف عقد الاعتماد الإيجاري بعدة مسميات منها: الإيجار التمويلي أو التمويل بالإيجار أو التمويل التأجيري، القرض وقد تم تناول تعريف الاعتماد الإيجاري من الناحية القانونية .Leasing ، Le Crédit Bail ، الإيجاري، الائتمان الإيجاري ومن الناحية الاقتصادية، غير أنه تجمع بينهما في كثير من الأحيان خصائص مشتركة في الشكل القانوني، أو على اعتباره تقنية مالية مصرفية.
1-التعريف القانوني:
قبل التطرق إلى تعريف الاعتماد الإيجاري في القوانين المقارنة والقانون الجزائري، لا بد أن نشير إلى أنه قد سمي لدى الفقهاء المسلمين بالإجارة المنتهية بالتمليك، التي عرفت لديهم بأنها عقد إجارة يتضمن التزام المؤجر بهبة العين المؤجرة عقب الوفاء بجميع أقساط الأجرة، أما الندوة الفقهية لبيت التمويل الكويتي فعرفت الإجارة المنتهية بالتمليك على أنها عقد انتفاع المستأجر بمحل العقد بأجرة محددة وموزعة على مدة معلومة، على أن ينتهي العقد بتمليك المستأجر للمحل .
والمستأجر لا يتحمل تبعة هلاك أو تلف الأصل المؤجر، كم يمكنه إعادة العين المؤجرة وهذا ما تمنعه غالبية التشريعات الخاصة بعقد الاعتماد الإيجاري .
أقساط الإيجار، على أن تقوم الشركة المؤجرة بالشراء المسبق للأصول المؤجرة، ويمكن للمستأجر بعد نهاية مدة عقد الاعتماد الإيجاري أن يمتلك هذه الأصول أو بعضها.
وحسب المشرع المصري، فهو عقد يلتزم بمقتضاه المؤجر أن يؤجر إلى المستأجر منقولات، عقارات، منشآت أو مال، يكون المؤجر قد اكتسب ملكيتها من طرف ثالث بناء على طلب أو مواصفات المستأجر، ويكون للمستأجر في نهاية مدة الإيجار أن يختار شراء الأصل موضوع الإيجار في الموعد والثمن المحدد في العقد أو تجديد عقد الإيجار.
أما المشرع الجزائري فقد أشار أول مرة للاعتماد الإيجاري في قانون النقد والقرض لسنة 1990 وذلك في مادته 02/112 التي جاء فيها أنه: ” تعتبر بمثابة عمليات قرض عمليات الإيجار المقرونة بحق خيار بالشراء ولا سيما عمليات الإقراض منه على أن البنوك والمؤسسات المالية هي المخولة بإجراء عمليات / مع إيجار” واعتبره من عمليات القرض، ونصت المادة 116 إيجار مقرونة بحق خيار بالشراء.
-وبموجب الأمر رقم 96 نظم المشرع الجزائري عملية الاعتماد الإيجاري الذي وضع إطارها القانوني وبين أحكامها.
ووفقا لهذا القانون يعتبر عقد الاعتماد الإيجاري للأصول المنقولة أو غير المنقولة أو المتعلق بمحل تجاري أو مؤسسة حرفية، عقدا تمنح من خلاله شركة التأجير المتمثلة في البنك أو المؤسسة المالية المسماة (بالمؤجر) على شكل تأجير، مقابل الحصول على إيجارات ولمدة ثابتة، أصولا متشكلة من تجهيزات أو عتاد أو أدوات ذات الاستعمال المهني، أو أصولا ثابتة مهنية اشتراها أو بنيت لحسابه، أو محلا تجاريا أو مؤسسة حرفية، لمتعامل اقتصادي شخصا طبيعيا كان أو معنويا يدعى (المستأجر)، كما يترك لهذا الشخص إمكانية اكتساب كليا أو جزئيا الأصول المؤجرة مع الأخذ بعين الاعتبار الأقساط التي تم دفعها بموجب الإيجار المذكور سابقا، تدعى عمليات الاعتماد الإيجاري باعتماد إيجاري مالي – وبحسب نص المدة 02 من الأمر رقم 96 في حالة ما إذا نص عقد الاعتماد الإيجاري على تحويل لصالح المستأجر، كل الحقوق والالتزامات والمنافع والمساوئ والمخاطر المرتبطة بملكية الأصل الممول عن طريق الاعتماد الإيجاري، وتدعى اعتماد إيجاري عملي في حالة ما إذا لم يحول لصالح المستأجر كل أو تقريبا كل الحقوق والالتزامات والمنافع والمساوئ والمخاطر المرتبطة بحق ملكية الأصل الممول والتي تبقى لصالح المؤجر أو على نفقته.
– أما المادة 05 من الأمر رقم 96 السابق الذكر، فقد نصت على نوعين آخرين من الاعتماد الإيجاري بحسب إقامة طرفي العقد وهما: الاعتماد الإيجاري الوطني، ويكون عندما تجمع العملية شركة تأجير أو مؤسسة قرض بمتعامل اقتصادي، وكلاهما مقيمان في الجزائر، والاعتماد الإيجاري الدولي، عندما يكون أحد طرفي العقد مقيما في الجزائر والآخر غير مقيم في الجزائر.
2- التعريف الاقتصادي:
هو علاقة تمويلية ذات أبعاد ثلاثية، علاقة صاحب المشروع الذي يرغب في الحصول على الأصول الثابتة، فيتصل بالمؤسسة المالية التمويلية التي تقوم بشراء تلك الأصول من المورد أو المنتج لها، ثم تقوم بتأجيرها إلى صاحب المشروع مقابل دفعات مالية محددة مسبقا.
المورد، الوسيط المالي، المشروع
وهو ائتمان عيني وإنتاجي، أي أنه لا يمكن أن يمنح في صورة نقدية كالائتمان المصرفي، وذلك بغرض تنمية دوافع استخدام الأصول الثابتة، وعليه فإن المؤسسة المانحة لهذا الائتمان يجب أن تختار الأصول التي تعطي أكبر ربح عند تشغيلها، لأن ذلك يضمن سداد دفعات التأجير على الأقل .
ثانيا: التمييز بين الائتمان والقرض والاعتماد
الائتمان بلغة القانون له معنى واسع إذ يعني تسليم الغير مالا، منقولا أو غير منقول على سبيل الدين أو الوديعة أو الوكالة أو الإيجار أو الإعارة أو الرهن أو لإجراء عمل تصليح، في جميع تلك الأحوال يتعلق الأمر بتسليم مؤقت للمال مع نية استعادته.
أما بلغة الاقتصاد فالائتمان يعني تسليف المال لتثميره في الإنتاج والاستهلاك، وهو يقوم على عنصرين أساسيين هما الثقة والمدة تقابلها عدة معاني في اللغة العربية وهي: الائتمان، اعتماد، تسليف، قرض. (crédit) ونجد في اللغة الفرنسية أن كلمة يعني تقديم مبلغ معين دفعة واحدة من (prêt) ولابد من التمييز بين نوعين من الائتمان هما القرض والاعتماد.
فالقرض فهو تعهد من قبل المصرف بالإقراض وهو عقد بمقتضاه يضع المصرف تحت (crédit) قبل المصرف إلى العميل، أما الاعتماد تصرف العميل مبلغا معينا يسحب منه متى شاء مرة أو مرات خلال مدة محددة وإذا أوفى الدين يستطيع أن يسحب أيضا.
وتأخذ عمليات الائتمان المصرفي أشكالا متنوعة، وذلك إما بحسب مدته، أو الغرض من الحصول عليه، أو الجهات المانحة له، أو الشخص المستفيد منه، أو الضمانات المطلوبة مقابل الحصول عليه.
والتقسيم الرئيسي للائتمان هو تقسيمه حسب مدته أو أجل انقضائه، حيث يقسم إلى ائتمان قصير الأجل ومتوسط الأجل وطويل الأجل، وحالة خاصة هي البيع الإيجاري (الإيجار المؤدي للبيع)، الذي يعتبر ائتمان لأنه يتضمن تسليم مال دون استيفاء ثمنه في الحال، وهو ليس بيعا محضا لأن حقوق التملك لا تنتقل بمجرد إتمام العقد، وهو ليس إيجارا محضا لأن الأقساط هنا مرتفعة أكثر مما هو معتاد في إيجار المال هو عقد بمقتضاه تؤجر معدات وتجهيزات لقاء أقساط إيجار دورية مع فرصة تملكها عند تسديد تمام الثمن المقرر لها، وهذا أسلوب حديث النشأة تتولاه مؤسسات متخصصة تشتري السلع وتؤجرها لهذا الغرض، فالبنك لا يقوم بهذه الفعالية وإنما يساعد تلك المؤسسات المتخصصة عن طريق مدها بالتمويل اللازم، والبيع الإيجاري يمكن أن ينصب على موجودات منقولة وموجودات ثابتة، وهو يسمح للمستأجر أن يستفيد من المال دون الاضطرار لشرائه، وعند انقضاء المدة المتفق عليها في العقد .
ويكون للمستأجر المستفيد الخيار بين إما تملك المال أو استمرار الإيجار أو رد المال وبقراءة متأنية للتعريفات السابقة يكمن القول أن عملية تأجير المال سواء كان منقولا أو عقارا، مقابل أقساط إيجار دورية مع فرصة التملك عند تسديد آخر قسط، تجد تعريفها في مصطلح البيع الإيجاري وليس في مصطلح الاعتماد الإيجاري أو القرض الإيجاري، ذلك أن الاعتماد يكون بوضع مبلغ محدد تحت تصرف العميل يسحب منه ما يشاء وأن يشاء، في حين مصطلح الاعتماد الإيجاري الذي أتى به القانون بعيد كل البعد عن هذا المعنى.
غير أن البيع الإيجاري تنتقل فيه الملكية بعد دفع آخر قسط مستندا على تاريخ إبرام العقد، عكس عقد الاعتماد الإيجاري الذي يتضمن وعدا من جانب واحد هو المؤجر نحو المستأجر ببيع الأصل المؤجر إذا ما استعمل هذا الأخير خيار الشراء.
كما أن مصطلح القرض هو الآخر لا يعبر عن عملية تأجير المال فالمبلغ يسحب مرة واحدة وبمجرد إتمام الاتفاق. إلا أننا نجد معنى البيع الإيجاري في مصطلح الائتمان بمفهومه الواسع كونه يتعلق بتسليم مؤقت للمال مع نية استعادته.
ثالثا: خصائص عقد الاعتماد الإيجاري
يعد عقد الاعتماد الإيجاري أداة قانونية لخدمة حاجة اقتصادية، على اعتبار أنه وسيلة حديثة لتمويل المشاريع الاستثمارية، منافسا بذلك طرق التمويل الكلاسيكية. ومن أهم خصائصه نذكر الآتي:
– الطبيعة المالية والهدف الاقتصادي لعقد الاعتماد الإيجاري:
– اعتبرت المادة 01 من الأمر 09 رقم السابق الذكر، الاعتماد الإيجاري عملية تجارية ومالية يتم تحقيقها من قبل البنوك والمؤسسات المالية أو شركة تأجير مؤهلة قانونا ومعتمدة صراحة هذه الصفة، مع المتعاملين الاقتصاديين الجزائريين أو الأجانب، أشخاصا طبيعيين كانوا أم معنويين، تابعين للقانون العام أو الخاص.
بالنسبة للمستأجر فإنه يضمن التمويل الكامل لمشروعه الاستثماري، والانتفاع بالأصول المؤجرة طيلة مدة العقد، مع إمكانية امتلاكها عند نهاية مدة العقد، أي أن الاستثمارات تمول نفسها بنفسها ، مما يجعل وضعه المالي قوي ومستقر، بالإضافة إلى الامتيازات الضريبية والشبه الضريبية التي يمنحها القانون في إطار عملية الاعتماد الإيجاري ، الأمر الذي ينعكس بالإيجاب على المستأجر الذي يتحمل تكلفة قليلة بالمقارنة مع التمويل عن طريق القروض الكلاسيكية.
أما بالنسبة للمؤجر (مؤسسة قرض أو شركة اعتماد إيجاري) فإن عقد الاعتماد الإيجاري هو عبارة عن عقد قرض، جوهره عملية مالية في صورة ائتمان نقدي،على أن تتوج العملية في النهاية في صورة دين بمبلغ من النقود يلتزم طلب التمويل بسداد أقساطه إلى الممول وفقا لما تم الاتفاق عليه، كما يعتبر المؤجر في عقد الاعتماد الإيجاري تاجرا، كونه يخضع للقيد في السجل التجاري وله جميع خصائص التاجر، ويكتسب هذا النوع من العقود الصفة التجارية من خلال نص المادة 02 من .ق .ت. ج إذ تبين أن المشرع الجزائري قد جعل عقد القرض البنكي عملا تجاريا بحسب الموضوع باعتباره عملية مصرفية بالنسبة للبنك، وهذا ما ذهبت إليه غالبية التشريعات.
والمادة 83 من الأمر السابق الذكر تجعل من شروط تأسيس البنوك والمؤسسات المالية أن تتخذ شكل شركات مساهمة، وبموجب المادة 03 من ق. ت .ج يعد عملا تجاريا بحسب الشكل الشركات التجارية، بالإضافة إلى جملة من النصوص القانونية الدالة على تجارية البنوك والمؤسسات المالية وتقوم بمقتضى وظيفتها الاعتيادية بالعمليات المصرفية، وبالتالي تجارية العقود التي تمنح بموجبها الاعتماد الإيجاري بالنتيجة يعد عقد الاعتماد الإيجاري عملا تجاريا محضا، بحكم ماهيته بالنسبة للبنوك والمؤسسات المالية أو شركة التأجير من ق ت ج.
وأيضا بالنسبة للطرف المؤجر المتمثل في المتعامل الاقتصادي / المؤهلة قانونا، وذلك إعمالا لأحكام المادة 02 صاحب المشروع الاستثماري، لأنه يتعلق بعملية تمويل بقصد تلبية احتياجات نشاطاته التجارية أو المهنية أو الحرفية، سواء تعلق الأمر بأصول منقولة تتمثل في تجهيزات أو عتاد أو أدوات، أو عندما يخص أصولا عقارية مبنية أو ستبنى لسد الحاجات المهنية الخاصة بالمتعامل الاقتصادي، أو تعلق بالمحلات التجارية والمؤسسات الحرفية.
– البعد الثلاثي لعقد الاعتماد الإيجاري:
يعتبر الاعتماد الإيجاري عملية تمويلية ثلاثية الأطراف هم:
المؤجر: وهو البنك أو المؤسسة المالية أو شركة الاعتماد الإيجاري، الذي يقوم بشراء الأصول المنقولة أو العقارية أو المحلات التجارية أو المؤسسات الحرفية ووضعها تحت تصرف المستأجرعن طريق التأجير.
المستأجر: وهو المتعامل الاقتصادي صاحب المشروع الاستثماري، الذي ينتفع بالأصول المؤجرة اللازمة لإنجاز مشروعه على سبيل الإيجار.
المورد: وهو بائع الأموال محل عقد الاعتماد الإيجاري للمؤجر.
– الطابع العيني لعقد الاعتماد الإيجاري:
يكون الاعتماد الإيجاري في شكل أصول عينية (استثمارات مادية) لا يقوم بمنح أموال نقدية كما في القرض الكلاسيكي، أي ينص على تسليم أجهزة وآلات أوعقارات للمؤسسة المقترضة من طرف المؤسسة المانحة التي تتحصل عليها من طرف المورد، وبالتالي فهو ائتمان عيني وليس نقدي.

شاهد أيضاً

إنهاء الرابطة الزوجية في القانون الجزائري

لقد لاحظنا أن أغلب الناس تجهل طرق فك الرابطة الزوجية في قانون الأسرة الجزائري أو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *