الخميس, نوفمبر 13, 2025

إنهاء الرابطة الزوجية في القانون الجزائري

لقد لاحظنا أن أغلب الناس تجهل طرق فك الرابطة الزوجية في قانون الأسرة الجزائري أو ربما لديها فكرة سطحية وغامضة عنها، في البداية يتعين تعريف عقد الزواج في حد ذاته، فعقد الزواج وفقا للمادة 04 من قانون الأسرة هو عقد رضائي يتم بين رجل وإمرأة على الوجه الشرعي، من أهدافه تكوين أسرة أساسها المودة والرحمة والتعاون وإحصان الزوجين والمحافظة على الأنساب، غير أنه لأسباب مختلفة و عديدة قد تنتهي العلاقة الزوجية، وتنتهي هذه العلاقة طبقا لقانون الأسرة الجزائري بواسطة إحدى الطرق الآتية : الوفاة، الطلاق، التطليق، الخلع، فساد وبطلان الزواج .
• الوفاة أو الطلاق
إن الطريقة الأولى لفك الرابطة الزوجية هي وفاة أحد الزوجين يضع حدا للعلاقة الزوجية طبقا للمادة 47 من قانون الأسرة، وهذا أمر بديهي، والطريقة الثانية لفك الرابطة الزوجية هي الطلاق.
و الطلاق طبقا للمادة 48 من قانون الأسرة هو فك الرابطة الزوجية بالإرادة المنفردة للزوج أو باتفاق الطرفين أي الزوج و الزوجة معا و هذا ما يسمى الطلاق بالتراضي، ويقع الطلاق بالإرادة المنفردة للزوج عندما يستخدم الصيغة اللفظية المعبرة عن الطلاق ثلاثة مرات متتالية، وهذا ما قضت به المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 17 / 02 / 1998 وقد جاء في القرار ما يلي “الثابت من القرار المطعون فيه أن قضاة المجلس لما قضوا بالطلاق البائن بناء على تصريح الزوج أمامهم بطلاقه لزوجته ثلاثا، فإنهم لم يخرقوا أحكام المادة 57 من قانون الأسرة و طبقوا القانون تطبيقا سليما …”
و نشير أن الزوجة لها الحق في طلب تعويض عن الضرر اللاحق بها إذا تعسف الزوج في الطلاق أي أنه إذا قام الزوج بفك الرابطة الزوجية بدون مبرر شرعي أو انتقاما من الزوجة أو أهلها و غيرها من أشكال التعسف و ذلك عملا بالمادة 52 من قانون الأسرة، و نشير أيضا أنه يمكن للزوج توكيل طرف آخر من أجل مباشرة إجراءات الطلاق و في هذه الحالة لابد أن تكون الوكالة مكتوبة و خاصة طبقا لأحكام المواد 572 و 574 من القانون المدني الجزائري، أما الطلاق بالتراضي فيتم بواسطة عريضة مشتركة موقعة من طرف الزوج و الزوجة معا وفقا لأحكام المادة 428 من قانون الإجراءات المدنية الإدارية .
• التطليق
و الطريقة الثالثة لفك الرابطة الزوجية هي التطليق، والتطليق هو مطالبة الزوجة بفك الرابطة الزوجية لوجود ضرر شرعي يحول دون استمرار الحياة الزوجية، فالتطليق هو حق مقرر للزوجة و قد أشارت المادة 53 من قانون الأسرة على سبيل المثال و ليس على سبيل الحصر إلى بعض أسباب التطليق، فقد نصت المادة 53 على ما يلي ” يجوز للزوجة أن تطلب التطليق للأسباب الآتية :
– عدم الإنفاق بعد صدور الحكم بوجوبه ما لم تكن عاملة بإعساره وقت الزواج، مع مراعاة المواد 78 و 79 و 80 من هذا القانون .
– العيوب التي تحول دون تحقيق الهدف من الزواج
– الهجر في المضجع فوق أربعة أشهر
– الحكم على الزوج عن جريمة فيها مساس بشرف الأسرة و تستحيل معها مواصلة العشرة و الحياة الزوجية.
– الغيبة بعد مرور سنة بدون عذر ولا نفقة
– مخالفة الأحكام الواردة في المادة 8 أعلاه
– إرتكاب فاحشة مبينة
– الشقاق المستمر بين الزوجين
– مخالفة الشروط المتفق عليها في عقد الزواج
– كل ضرر معتبر شرعا .
و نشير أنه يقع على عاتق الزوجة إثبات وجود إحدى هذه الحالات التي تبرر التطليق، علما أن القاضي يملك سلطة تقديرية واسعة لتقرير ما إذ كان طلب الزوجة في التطليق مبرر أم لا، وهنا نلفت الانتباه إلى صعوبة إثبات الزوجة لهذه الحالات ،لأن إثبات هذه الحالات يتطلب إتباع إجراءات معقدة و يستغرق ذلك فترة زمنية طويلة و النتيجة غير مضمونة ،فالقاضي كما قلنا يملك سلطة تقديرية لقبول أو رفض طلب التطليق، و ذلك من باب فرض الرقابة على عدم تسعف الزوجة و قد صدر عن المحكمة العليا عدة قرارات في هذا الشأن، فقد أصدرت المحكمة العليا قرار بتاريخ في 25 / 02 / 1985 جاء فيه ” حيث أن الزوجة المطعون ضدها طلبت التطليق بدعوى أن زوجها منعها من السفر إلى فرنسا لزيارة أهلها ، و هذا ليس داخلا في باب الضرر و لا تطلق بموجبه …… ” ، و لهذا لاحظنا في الحياة العملية أمام الجهات القضائية لجوء أغلب الزوجات الراغبات في فك الرابطة الزوجية إلى وسيلة الخلع بدل التطليق .
و تجدر الملاحظة إلى أن زواج الرجل من زوجة الثانية دون الحصول على إذن من الزوجة الأولى و دون أن يخطر الزوجة الثانية بأنه له زوجة أولى وفقا للإجراءات المنصوص عليها في المادة 08 من قانون الأسرة تشكل حالة تبرر التطليق، فكل من الزوجتين هنا لهما الحق في طلب التطليق .
و نشير أنه يحق للزوجة طبقا للمادة 53 مكرر من قانون الأسرة أن تطلب التعويض عن الضرر اللاحق بها و التي دفعها إلى طلب التطليق، و هنا أيضا القاضي يتمتع بسلطة تقديرية في منح التعويض أم لا، لأن التطليق و على عكس ما يعتقده عامة الناس لا يجعل من طلب التعويض أمر حتمي و شرعي دائما ، فالقاضي قد يوافق على طلب التطليق و لكنه قد يرفض طلب التعويض المقدم من طرف الزوجة .
و في هذا الشأن صدر عن المحكمة العليا “حيث أن مرض العقم و عدم القدرة على الإنجاب، و إن كان فعلا يشكل سببا من أسباب التطليق طبقا للمادة 53 من قانون الأسرة، ويخول للزوجة الحق في المطالبة به، فهو لا يحمل الزوج المصاب به أية مسؤولية عن دفع التعويض لها عنه ،لأن لا دخل لإرادته فيه ….”
3-الخلع
الطريقة الثالثة لفك الرابطة الزوجية هي الخلع، و الخلع طبقا للمادة 54 من قانون الأسرة هو حق مقرر للزوجة يخولها فك الرابطة الزوجية دون موافقة الزوج، و ذلك بموجب مقابل مالي تدفعه للزوج، و إذا لم يتفق الطرفان حول المبلغ يقوم القاضي بتحديد هذا المبلغ المالي على أساس صداق المثل .
أي بعبارة أخرى الزوجة الراغبة في الخلع عليها أن ترد مبلغ الصداق لزوجها، فإذا لم يكن مبلغ الصداق غير مذكور في عقد الزواج و وقع خلافه حول قيمته بين الزوج و الزوجة، يتدخل القاضي في هذه الحالة و يقوم بتحديد مبلغ الخلع على أساس الصداق المتعارف عليه بين الناس و الأكثر انتشارا، و هو ما يعرف بصداق المثل .
فالخلع كما ذكرنا يتم دون موافقة الزوج، حسب ما أكدته المحكمة العليا ،” إن المادة 54 من قانون الأسرة تسمح للزوجة بمخالعة نفسها من زوجها على مال دون تحديد نوعه كما يتفق الطرفان على أن لا يتجاوز ذلك قيمة صداق المثل وقت الحكم دون الالتفات إلى عدم قبول الزوج بالخلع الذي تطلبه الزوجة لأن ذلك يفتح الباب للإبتزاز و التعسف الممنوعين شرعا … “.
و أكدت أيضا المحكمة العليا أن الخلع هو حق مقرر للزوجة بعد الدخول و ليس قبله، فقد أصدرت المحكمة قرار بتاريخ 14 / 06 / 2006 جاء فيه ” أن الحكم محل الطعن خالف القانون و أساء تطبيقه، ذلك لأن طلب الخلع لا يمكن للزوجة أن تطالب به قبل الدخول، بل يمكن لها أن المطالبة به فقط بعد الدخول …… ” ،كما أن الزوجة التي تسلك طريق الخلع لا يحق لها المطالبة بالتعويض كما هو الحال في التطليق و الطلاق بالإرادة المنفردة للزوج .
و يجب أن نعلم أن كل من الطلاق و التطليق و الخلع يشتركون في وجوب الصلح، فالمادة 49 من قانون الأسرة ألزمت القاضي بضرورة إجراء عدة محاولات صلح قبل الحكم بفك الرابطة الزوجية عن طريق الطلاق أو التطليق أو الخلع، و نشير أنه لابد على الطرف الذي يطلب فك الرابطة الزوجية سواءا كان الزوج أو الزوجة الحضور لجلسة .
و في موضوع الصلح نضيف أن قاضي المحكمة هو المكلف بجلسة الصلح و ليس قاضي المجلس، وقد لاحظنا في الواقع العملي اكتفاء القاضي بجلسة صلح واحدة في أغلب الأحيان بالرغم من أن 49 من قانون الأسرة أشارت إلى ضرورة عقد عدة محاولات صلح.
• فساد و بطلان الزواج
و الطريقة الخامسة و الأخيرة لفك الرابطة الزوجية هي بسبب فساد و بطلان الزواج، و يمكن تسمية هذه الطريقة حسب إعتقادنا بفك الرابطة الزوجية بقوة القانون لأن الزواج في هذه الحالة مخالف لأحكام النظام العام و الآداب العامة، فقد تناول قانون الأسرة الزواج الفاسد و الباطل من المادة 32 إلى المادة 35 ، و لم يفرق المشرع الجزائري بين الزواج الفاسد و الباطل، فالزواج الذي يتم بدون تراضي أو ولي الزوجة أو دون حضور شاهدين أو دون صداق هو زواج باطل إذا لم يتم الدخول، أما إذا تم الدخول فهذا الزواج يثبت بدفع صداق المثل أي أنه يصحح و ذلك حفاظا على العلاقة الزوجية التي تنشأ بين الزوج و زوجته وربما حفاظا على مصلحة الطفل لأن الزوجة قد تكون حامل بعد الدخول .
أما الزواج بإحدى المحرمات كالزواج من الأخت أو الخالة و غيرها من النساء المحرمات بالقرابة أو المصاهرة أو الرضاع، هذا الزواج باطل و فاسد سواءا وقع الدخول أم لا ، أي أنه يجب فسخ هذا الزواج، و الأثر الوحيد المترتب عنه هو ثبوت النسب في حالة ميلاد طفل من هذا الزواج .
و يجوز للقاضي من تلقاء نفسه أن يحكم بفك رابطة الزواج الفاسد و الباطل بل يجوز لكل ذي صلحة أن يطلب فك رابطة الزواج الفاسد و الباطل كأقارب الزوجين مثلا ،بل حتى النيابة العامة لها الحق في التدخل و طلب فك الرابطة الزوجية، بإعتبار أن الزواج الفاسد و الباطل قد يشكل في نفس الوقت جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات فزواج الأخ بأخته يشكل جريمة زنا المحارم المعاقب عليها بموجب المادة 337 مكرر من قانون العقوبات الجزائري ،زيادة على ذلك تعد النيابة العامة بموجب المادة 03 مكرر من قانون الأسرة طرف أصلي في قضايا شؤون الأسرة مما يعطيها الحق في التدخل .

شاهد أيضاً

التنظيم القانوني للصفقات العمومية بالجزائر

عرف المشرع الجزائري الصفقات العمومية في كل القوانين والتنظيمات الصادرة بخصوصها في مراحل مختلفة، فعرفها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *