يعتبر موضوع النفقة من بين المواضيع المهمة التي يثار حولها الكثير من الاستفسارات، كما أن العديد من النزاعات المطروحة أمام قضاء شؤون الأسرة متعلقة بموضوع النفقة.
1- مستحقي النفقة
لقد نصت المادة 74 من قانون الأسرة ” تجب نفقة الزوجة على زوجها بالدخول أو دعوتها إليه ببينة مع مراعاة أحكام المواد 78 و 79 و 80 من هذا القانون ” ، يتضح لنا من خلال هذه المادة أنه يقع على عاتق الزوج واجب الإنفاق على زوجته حتى لو كانت غنية أو عاملة و هذا ما قضت به المحكمة العليا في قرار صادر بتاريخ 22 / 02 / 2002 جاء فيه ” من المقرر شرعا أن يسار الزوجة لا يسقط حقها و حق أولادها في النفقة بدون مبرر شرعي …..
و يشرع الزوج في الإنفاق على زوجته منذ تاريخ الدخول بها أي منذ إحضارها إلى بيت الزوجية، أو منذ دعوة الزوجة لزوجها لكي يأخذها إلى بيت الزوجية، و في هذه الحالة نتصور أنه تم عقد الزواج شرعا و قانونا و لكن الزوج يتماطل في جلب زوجته إلى بيت الزوجية، ففي هذه الحالة يمكن للزوجة أن تطلب من زوجها عن طريق رسالة مضمنة أو طريق إعذار موجه عن طريق محضر قضائي أن يأخذها إلى بيت الزوجية، و بالتالي في هذه الحالة تصبح النفقة ملزمة منذ تاريخ دعوة الزوجة لزوجها .
و الحالة الوحيدة التي يحق فيها للزوج الإمتناع عن الإنفاق على زوجته هي حالة النشوز، والزوجة الناشزة هي تلك الزوجة التي تمتنع عن مساكنة زوجها أي ترفض العيش في بيت زوجها بدون سبب شرعي و مبرر، و يتعين على الزوج إثبات حالة النشور عن طريق حكم قضائي يلزم الزوجة بالرجوع إلى بيت الزوجية زائد محضر إمتناع الزوجة عن تنفيذ هذا الحكم القضائي، هذا ما قضت به المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 12 / 01 / 2012 جاء فيه ” و لا يسقط هذا الواجب عن الزوج – أي واجب النفقة – إلا في حالة النشوز الذي لا يثبت إلا بتحرير محضر تنفيذا لحكم قضائي تمتنع فيه الزوجة عن الرجوع ….. ”
و في موضوع النفقة لابد علينا أن نشير إلى نفقة العدة و نفقة الإهمال، فبعد الحكم بفك الرابطة الزوجية بأنواعه المختلفة يتعين على القاضي أن يحكم للمطلقة بنفقة العدة وأن مدتها محددة بمدة العدة أي إذا كانت من اليائسات يحكم لها بنفقة 03 أشهر، أما إذا كانت من ذوات الحيض يحكم لها بنفقة 03 قروء، ولكن المعمول به أمام الجهات القضائية هو الحكم بنفقة 03 أشهر في كلا الحالتين، وتكون مدة نفقة المطلقة الحامل مقدرة بمدة الحمل، وأن تقدير قيمة النفقة يرجع إلى اختصاص القاضي و في هذه الحالة يراعي حال الطرفين وظروف المعيشة..
وكذلك يجوز للقاضي أن يحكم للمطلقة بنفقة الإهمال وهذه الأخيرة يبدأ سريانها أصلا من يوم رفع الدعوى إلى غاية الحكم بالطلاق، غير أن المشرع قد أورد استثناء على هذه القاعدة في المادة 80 من قانون الأسرة، حيث أجاز للقاضي أن يحكم باستحقاق نفقة الإهمال بناء على بينة لمدة لا تتجاوز السنة قبل رفع الدعوى، ونفقة العدة تبدأ من يوم صدور الحكم أما نفقة الإهمال تبدأ من يوم رفع الدعوى، مثال: صدر الحكم في فيفري 2020 ، رفعت الدعوى في جانفي 2021 يجوز أن يحكم بنفقة الإهمال ابتداء من جانفي 2021 .
و من بين الأشخاص المستحقين للنفقة نجد الأبناء، فالأب ملزم بالإنفاق على أبنائه طبقا للمادة 75 من قانون الأسرة التي تنص على أنه ” تجب نفقة الولد على الأب ما لم يكن له مال، فالبنسبة للذكور إلى سن الرشد، والإناث إلى الدخول، و تستمر في حالة ما إذا كان الولد عاجزا لآفة عقلية أو بدنية أو مزاولا للدراسة و تسقط بالإستغناء عنها بالكسب ” ، فالأب ملزم بالإنفاق على أبنائه سواءا كانوا ذكور أو إناث و هذا بسبب قصرهم، فالبنسبة للذكر تسقط نفقة الأب عليه ببلوغه سن الرشد و هو 19 سنة و الأنثى بزواجها و انتقالها إلى بيت الزوحية ، غير أن الأب يبقى ملزم بالإنفاق على الإبن الراشد إذا كان هذا الأخير مصابة بعاهة جسدية أو عقلية أو مزاولا للدراسة ،و هذا ما أكدته المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 17 / 02 / 1998 الذي جاء فيه “و لكن حيث أن منحة المعوق حركيا و عقليا التي تمنحها مصلحة الحماية الاجتماعية التي يأخذها الولد لا تعتبر كسبا بل هي مجرد إعانة لا تغطي حاجياته، و لذلك فإنها لا تعفي الطاعن من الإنفاق على إبنه …..” ، و كذا في قرار المحكمة العليا الصادر بتاريخ 19 / 04 / 1994 الذي جاء فيه ” لكن و حيث أنه عكس ما يدعي الطاعن، فإن الولد خالد يزاول دراسته الجامعية ،و أن المادة 75 من قانون الأسرة المحتج بها تنص على إستمرار نفقة الولد و لو بعد سن الرشد إذا كان مزاولا للدراسة….”.
و نشير أن النفقة تسقط بالكسب حتى بالنسبة للبنت، أي أن البنت لو كان لديها مدخول معقول يكفيها لسد حاجياتها تسقط نفقة الأب عليها هذا ما قضت به المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 09 / 07 / 1996 الذي جاء فيه ” و لكن حيث أنه من جهة أخرى فإن القرار المطعون فيه خالف نص المادة 75 من قانون الأسرة لما قضى بالإنفاق على من لا تستحق ……كما أن البنت (س) هي عاملة تبعا لما تثبته شهادة العمل المقدم من طرف الطاعن …… “.
و في حالة ما إذا كان الأب عاجز عن الإنفاق على أبنائه بسبب مرض جسدي أو عقلي أو كان في حالة إعسار مالي فإن الأم تصبح ملزمة في هذه الحالة بالإنفاق على أولادها إذا كان لها مدخول مالي يسمح لها بذلك و هذا عملا بالمادة 76 من قانون الأسرة .
و من بين الأشخاص المستحقين أيضا للنفقة نجد الأصول، فالإبن ملزم بالإنفاق على والديه حسب القدرة و الإحتياج، ولا يمكن للإبن التهرب من هذا الواجب بحاجة أنه لا يسكن مع والديه أو بحجة أنه متزوج لديه أطفال، فالولد يقع على عاتقه واجب أخلاقي و قانوني في الإنفاق على والديه، بل الابن ملزم بالإنفاق حتى على الجد والجدة إذا اقتضى ذلك، و كل هذا عملا بالمادة 77 من قانون الأسرة ، و قد أكدت المحكمة العليا هذا الواجب في قرارها الصادر بتاريخ 03 / 07 / 2002 الذي جاء فيه ” حيث أن المادة 77 من قانون الأسرة أوجبت نفقة الفروع على الأصول، والنفقة تؤدى للوالدين في أي مكان كانا، ولا تشترط المادة إقامة الأصول في منزل المنفق ….”.
2-محتوى النفقة
تشمل النفقة طبقا للمادة 78 من قانون الأسرة كل من الغذاء و الكسوة و العلاج و السكن أو أجرته و ما يعتبر من الضروريات في العرف و العادة، و يمكن القول أن مصاريف الكهرباء و الماء و الغاز و الدراسة تعد من بين الأمور الضرورية المتعارف عليها و بالتالي تدخل في إطار النفقة .
و السؤال الذي يطرحه الكثير من الناس حول هذا الموضوع و بالأخص المطلقات، هو لماذا القاضي في حالة الطلاق يقضي بالنفقة الغذائية و نفقة المسكن و لكنه لا يشير لا من قريب و لا من بعيد إلى باقي محتويات النفقة كالكسوة و العلاج ومصاريف الكهرباء و غيرها ؟ و حسب اعتقادنا يعد هذا الأمر غير طبيعي و مخالف تماما لأحكام المادة 78 من قانون الأسرة التي حددت بشكل واضح محتويات النفقة ،بل حتى المادة 331 من قانون العقوبات الجزائري التي تجرم عدم تسديد النفقة لم تشر فقط إلى النفقة الغذائية أو نفقة المسكن و إنما أشرات إلى النفقة بصفة عامة ، وعليه نرى أنه لابد من تدارك هذا الخطأ أمام الجهات القضائية عن طريق توحيد النفقة المحكوم بها في إطار الطلاق و النفقة المقصود بها هي النفقة الدورية التي تدفع كل شهر و ليس نفقة العدة و الإهمال التي لا تطرح أي إشكال لكونها تدفع مرة واحدة ، فالنفقة الدورية كالنفقة الغذائية و السكن و غيرها يجب حسب اعتقادنا دمجها في نفقة شهرية واحدة، يطلق عليها مثلا ” النفقة الشهرية ” أو ” النفقة الشرعية ” .
و في موضوع النفقة نلفت الانتباه أنه يتعين على المطلقة الحاضنة إثبات وجود مصاريف إضافية شهرية ناجمة عن حالة معينية كإصابة الابن المحضون بمرض يتطلب علاج دوري و بالتالي نفقة شهرية خاصة لمواجهة هذا المرض ،و هذا لكي يخصص لها القاضي نفقة شهرية خاصة و منفصلة عن باقي النفقات كالنفقة الغذائية و نفقة المسكن، هذا ما قضت به المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 15 / 11 / 2006 الذي جاء فيه ” حيث من جانب آخر حينما ذهب قضاة الموضوع في قرارهم المنتقد إلى الحكم على الطاعن بمصاريف علاج البنت المحضونة فإنهم لم يخالفوا القانون في شيء بإعتبار أن ما حكم به يستند على شهادات طبية ….. “.
و نشير أن القاضي يراعي في تقدير النفقة طبقا للمادة 79 من قانون الأسرة حال الشخص الملزم بدفعها و أيضا يراعي ظروف المعيشة ،و ثم يستوجب على القاضي التحري عن حال الشخص الملزم بدفع النفقة سواءا كان الزوج أو الأب أو الأم أو الإبن و ذلك بمعرفة مصدر معيشة هذا الشخص و مداخيله ،و هو الشيء الذي يبرر ضعف النفقة الذي يحكم بها القاضي في أغلب الأحيان ،فالقاضي لا يمكنه أن يحكم على شخص يتقاضى راتب شهري قدره 20 ألف دينار شهري بنفقة شهرية قدرها 25 ألف دينار ،هذا غير معقول .
يتبع ..